أيام السرور قصيرة

لذلك روي عن بعض العلماء أو بعض الحكماء أنه قال: إن أيام السرور قصار وأيام الحزن طوال وهذا شيء محسوس. أي: الإنسان الذي يكون في سرور وفي حبور وفي مشتهيات النفس وفي متمنياتها ومستلذاتها: لا يشعر بمرور الزمان، ولا بطول الوقت، ولا يحس به في وقت من الأوقات، بل تطلع الشمس وتغرب وكأنها ساعة، ويدخل الشهر ويخرج وكأنه يوم، ويدخل العام وينقضي وكأنه شهر أو أقل من شهر؛ وذلك لأنه لا يحس بشيء من الأشغال التي تشغله ولا الآلام التي تؤلمه. أما لو كان بضد ذلك فإنه يستطيل العام، ويتمنى الانصرام. الأولون المتقدمون -قد يكون بعضهم من الحاضرين- ما يمر العام بهم إلا وقد ذاقوا له حلاوة، وقد ذاقوا له طلاوة، وقد مرت بهم في وقتهم عبر، وتذكروا ذكرى ونحو ذلك، ولعل سبب ذلك أنهم يعملون ويكدحون ويتعبون ويسافرون، ويضربون الأخطار ويسهرون الليالي، ويتعبون النهار، ويشتغلون بأنفسهم فلا ينقضي العام إلا وقد تعبوا وأحسوا بالتعب واللأواء والنصب ونحو ذلك. ومثلهم في هذه الأزمنة: من هو في ضرر، ومن هو في مشقة وتعب، فإنه يحس بذلك السجين الذي يدخل السجن؛ إذا حكم عليه بسجن شهر؛ فإن هذا الشهر يكون طويلا عليه، يتمنى أن يتقلص، اليوم عنده كأنه شهر، يطول عليه النهار الذي ينقضي حتى تتقلص أيامه. وكذلك المريض المتألم الذي يحس بآلام في رأسه أو في جسده اليوم عنده طويل يحس فيه بالآلام فلا ينقضي اليوم إلا وقد تطاوله، وتمنى أنه ينقص أو يقصر؛ وذلك لأنه في آلام وتعب؛ بخلاف من هو في بهجة وسرور وفي مآكله ومشاربه ومستلذاته ومتنعماته؛ فإنه لا يحس بمرور الأشهر، ولا يستطيل الأزمنة أبدا. نقول بعد ذلك: إنها وإن كنا لا نستطيلها فإنها تحسب من أعمارنا وتنقِّص من آجالنا، وإن علينا أن ننتهزها ونستغلها، ولا نتركها تمر مر الكرام دون أن نشغلها بما يعود علينا فيها من منفعة. أليست من أعمارنا؟ أليس هذا العام الذي قد مضى ينقص به آجالنا؟ أليس كل يوم يقربنا إلى الآخرة ويبعدنا من الدنيا؟ أليست هذه أوقات تسير، ونحن في غفلة ولا ندري ما منتهاها؟ يجب علينا أن ننتبه لذلك؛ فإننا سائرون وإن كنا على فرشنا. يقول بعض الحكماء: من كانت الأيام والليالي مطاياه سرن به وإن لم يسر. يعني: ولو كان جالسا أو نائما على فراشه؛ فإنه سائر جادّ في السير مجتهد في السير؛ سيره مثل سير المدلج الذي قد ركب مركبه وأسرع السير. وكذلك من كانت هذه الأيام والليالي سائرة به فإنه سائر وإن لم يحس بالسير. يقول بعض الشعراء: نسير إلى الآجال في كل سـاعة وأيامنـا تُطوى وهن مراحـل يعني: كل يوم يعتبر مرحلة. أتعرفون المراحل؟ إنها منازل المسافر. المسافرون الذين كانوا يرحلون على الإبل، كانوا إذا سار أحدهم من أول النهار إلى آخر النهار نزل في الليل عد تلك مرحلة. الأيام والليالي مراحل؛ كل يوم يعد مرحلة. يقول بعض العلماء: الناس كلهم سائرون إلى الله، فمنهم من هو في كل يوم يزداد حسنات ويقرب من ربه مراحل، ومنهم من هو في كل يوم يزداد سيئات، ويبعد من ربه مراحل؛ مع أنهم كلهم سائرون يعني: تمشي بهم هذه الأيام وهذه الليالي وتقربهم إلى الآجال. فإذن هذه الأيام والليالي هي مطايانا التي نحن نسير عليها تقربنا من الآخرة. كل يوم يقربنا من الآخرة مرحلة ويبعدنا من الدنيا مرحلة، وكل يوم ينقص من آجالنا. يقول بعضهم: إنا لنفــرح بالأيــام نقطعهــا وكل يوم مضى يـدني من الأجــل كل يوم مضى علينا يدني من الأجل يعني: من أجل الوفاة، ومع ذلك نفرح بمرور هذا اليوم، نفرح بمرور هذا الشهر، نفرح بمرور هذه الأعوام؛ وما ذاك إلا أننا في غفلة عما خلقنا له. إنما نعمر هذا الوقت ونحرص على أن نحظى بما يكون سببا في انقضاء هذه الأيام في شهواتنا، وفي مرادنا، ولا نفكر في مطالبنا وفيما نتمناه.