الأعيان الطاهرة

وما لا نفس له سائلة، والسمك والجراد، لأنها طاهرة. قال تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ } إلى آخرها [المائدة: 3] . وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- { المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا } روى البخاري برقم (283، 285) في الغسل، ومسلم رقم (371، 372) في الحيض، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقيه ... وفيه: " إن المؤمن لا ينجس " وفي رواية " إن المسلم لا ينجس " وليس عندهم قوله: " حيا ولا ميتا " . وهي للبخاري (3 / 125) عن ابن عباس موقوفا، ورواها الحاكم (1 / 542) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وانظر شرح الزركشي رقم (25). وقال: { أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالحوت والجراد. وأما الدمان: فالكبد والطحال } رواه أحمد وابن ماجه رواه أحمد (2 / 97)، وابن ماجه رقم (3314) في الأطعمة بلفظ: "أحلت لكم..." الحديث، ورواه برقم (3218) في الصيد، بلفظ: " أحلت لنا ميتتان: الحوت والجراد " عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قال أحمد شاكر في تحقيق المسند (5723): إسناده هذا ضعيف، ثم ذكر أنه ثابت صحيح بغيره، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه رقم (2607)، (2679). وأورده الزركشي كما في رقم (22). . وأما أرواث الحيوانات المأكولة وأبوالها فهي طاهرة. ومني الآدمي طاهر كان النبي يغسل رطبه، ويفرك يابسه لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: " كان رسول الله كلون يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظر إلى أثر ذلك الغسل " . رواه البخاري برقم (229)، (230)، (231) في الوضوء. ومسلم برقم (289) في الطهارة. وفي رواية لمسلم عنها برقم (288): " لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركا فيصلي فيه " . وفي رواية له عنها برقم (290): " لقد كنت أحكه يابسا بظفري من ثوبه " . . وبول الغلام الصغير، الذي لم يأكل الطعام لشهوة: يكفي فيه النضح، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- { يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام } راوه أبو داود والنسائي رواه أبو داود رقم (376) في الطهارة مطولا، والنسائي مختصرا (1 / 158) في الطهارة. عن أبي السمح رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (293). ورواه أحمد (1 / 76، 97، 137)، وأبو داود (377)، والترمذي (610)، والحاكم (1 / 165)، وابن ماجه (525)، عن علي رضي الله عنه. وصححه الترمذي، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما، وصححه الحافظ ابن حجر. وله طرق وتخريج في شرح الزركشي رقم (644). .وإذا زالت عين النجاسة طهر المحل، ولم يضر بقاء اللون أو الريح، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لخولة في دم الحيض: (يكفيك الماء، ولا يضرك أثره) سبق تخريجه ص 71. . كذلك ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء بموته فيه، أو وقوعه فيه، كالذباب والبعوض والفراش والنحل والنمل والذر والحشرات الصغيرة وأيضا الكبيرة كالعقرب ونحوه، فهذه إذا ذبحت لا يخرج منها دم فتكون ميتتها طاهرة تسهيلا على المسلمين؛ لأنه مما تعم به البلوى. كذلك ما يؤكل فإنه ليس بنجس، ولو كان ميتة؛ كالسمك والجراد فإنه طاهر، فقد ورد في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- { أحل لنا ميتتان ودمان أما الميتتان: فالحوت والجراد وأما الدمان: فالكبد والطحال } والكبد كلها دم متجمد ولكنها ليست دما مسفوحا، كذلك الطحال. قوله: (وأما أرواث الحيوانات المأكولة... إلخ): أي: وأرواث الحيوانات المأكولة وأبوالها طاهرة أيضا؛ لقصة العرنيين الذين أرسلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى إبل الصدقة وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها؛ لأنها طاهرة مأكولة اللحم، فأبوال وأرواث الابل والبقر والغنم والظباء والعجول والأرانب والضب والوبر وما أشبهها طاهرة. قوله: (ومني الآدمي طاهر... إلخ): مني الآدمي فيه خلاف كثير، والمؤلف رحمه الله كأنه يختار أنه طاهر وهو المشهور في المذهب، والمني هو: الماء الأصفر الغليظ اللزج الذي يخرج من الإنسان عند الجماع أو الاحتلام وعند الشهوة القوية، وإذا خرج بردت الشهوة بعده، ويحدث كثيرا من المحتلم في النوم. وقد اختلف العلماء في طهارة المني فمنهم من يقول: إنه طاهر، ومنهم من يقول: إنه نجس. والأقرب أنه طاهر؛ لأنه هو المادة القي خلق منها الإنسان، وقد ورد في الحديث تشبيهه بالمخاط والنخام قال الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (948): منكر مرفوعا. وقد ورد موقوفا من طريقين عن عطاء عن ابن عباس، أنه قال في المني يصيب الثوب، قال: " أمطه عنك بعود أو إذخرة، فإنما هو بمنزلة البصاق والمخاط " . قال الألباني: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. ثم قال: وقد أخرجه البيهقي من طريق الشافعي، ثم قال: هذا صحيح عن ابن عباس من قوله، وقد روي مرفوعا، ولا يصح رفعه. وما أشبهه، وأنه يكفيه أن يمسحه بعود أو بإذخرة، وورد أن عائشة كانت تفركه من ثوب النبي -صلى الله عليه وسلم- يابسا، وبعضهم يحتاط ويقول: إن كان يابسا فليفرك، وإن كان رطبا فليغسل. قوله: (وبول الغلام الصغير، الذي لم يأكل الطعام... إلخ): بول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام لشهوة يكفي فيه النضح، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- { يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام } رواه أبو داود والنسائي، والنضح هو: الغسل الخفيف، أي: يصب عليه الماء دون فرك ودلك، فيكفي أن تصب عليه الماء وتتبعه إياه، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لحديث عائشة رضي الله عنها وأم قيس بنت محصن الأسدية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتي بغلام، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه، ولم يغسله. رواه البخاري برقم (223) في الوضوء. ومسلم برقم (287) في الطهارة. بشرط أن لا يكون قد أكل الطعام لشهوة، أي: إذا لم يشته الطعام أو يطلبه ولم يكن غذاؤه الطعام أو أكثر غذاؤه الطعام، أما إذا كان غذاؤه اللبن فيكفي فيه الرش والنضح. وقالوا: إن السبب في ذلك والله أعلم أن النفوس تغشى الذكور فيبتلون بحمل الذكر كثيرا، فتسومح في نجاسة بوله صغيرا، أما غائطه فإنه يغسل منه، فالاستثناء خاص بالبول، أما الأنثى فيغسل بولها كبول الكبير. قوله: (وإذا زالت عين النجاسة طهر المحل، ولم يضر بقاء اللون أو الريح، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لخولة في دم الحيض: (يكفيك الماء، ولا يضرك أثره): ذكرنا أن النجاسة تغسل حتى لزول عينها، فإذا كانت النجاسة على بلاط ثم صب عليها ماء وزال عينها طهر المحل. وكذلك إذا كانت النجاسة على الثوب (نجاسة بول أو غائط) وصب الماء عليها حتى لا يبقى لها عين (أي: لا يبقى جرمها) طهر المحل، وكذلك الدم على الثوب ونحوه يكفي فيه الماء، لكن بعدما تزول أو تخفف عينه. وفي الحديث الآخر سئل عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: { تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه } رواه البخاري رقم (227) في الوضوء، ومسلم رقم (291) في الطهارة. من حديث أسماء رضي الله عنها. فأمرها أولا: أن تحت المتجمد بين أصابعها أو تحكه بظفرها أو بعود أو نحوه فيتساقط المتجمد، ثم بعد ذلك: تقرصه بالماء، فتصب الماء بين أصابعها وتفركه وتدلكه حتى يزول بالماء، ثم بعدها: تغمره بالماء وتنضحه. وهذا آخر باب إزالة النجاسة.