القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
محاضرة في حقيقة الالتزام
5245 مشاهدة
محاضرة في حقيقة الالتزام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحمد الله ونشكره، ونثني عليه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا هو، هو ربنا عليه توكلنا وإليه ننيب، ونحمده سبحانه على أن هدانا للإسلام، على أن هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونحمده سبحانه على أن أقبل بقلوب شبابنا إلى طاعته، وإلى الالتزام بشريعته، وإلى تطبيق واتباع سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
ونتفاءل بما نسمع وبما نرى من هذا الإقبال على الدين، وعلى العلم، وعلى الشرع، وعلى التطبيق لدين الله سبحانه وتعالى، ونتذكر أن هذا من إقبال الدين الذي ورد فيه الحديث بلفظ: إن لهذا الدين إقبالا وإدبارا، وإن من إقباله أن تفقه العشيرةُ بأسرها, فلا يبقى فيها إلا المنافقُ والمنافقان، فهما مخذولان ذليلان مَهينان، إن تكلما طُرِدَا واضطهدا وأُبعدا، وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو العشيرة بأسرها, حتى لا يبقى فيها إلا العالمُ والعالمان، والفقيهُ والفقيهان؛ فهما ذليلان مقهوران .
وقد كنا قبل ثلاثين أو أربعين سنة نكاد أن نيأس, ونقطع الرجاء؛ لما نراه من الأسباب التي تبعد عن الإسلام وعن الدين، ولما نراه من الجفوة ومن الإدبار، ومن السخرية والاستهزاء حتى في المتعلمين والمتفقهين، ولكن -والحمد لله- رأينا أن إقبال هذا الشباب على التمسك، وعلى الالتزام بالشرع، وعلى الاستقامة أن ذلك حصل له أثر بليغ، وكان من أثره هذه الصحوة الإسلامية، وهذا الإقبال على الإسلام وعلى الشريعة، وهذا التمسك بالدين، وهذه الاستقامة على الحق؛ فذلك مما يبشر بخير.
وحيث اختير لنا أن نتكلم على حقيقة الالتزام, أو كيفية الاستقامة وحقيقتها؛ فلا شك أن الالتزام كلمة عامة, تصدق على الالتزام بالشرع، والالتزام بغيره، ولأجل ذلك: الفقهاء يعبرون بكلمة الملتزم عن الذي يؤخذ عليه عهد أنه إما أن يعمل بأحكام الشريعة، وإما أن يُلزَم بها؛ فيدخل في ذلك الذميون الذين يلتزم معهم أن تطبق عليهم تعاليم الشريعة، يسمى أحدهم ملتزما.
ولكن اصطلح على أنها تطلق على المستقيم على الشرع، المتمسك به؛ وهذا هو الأولى أن نسمي المتدين نسميه: مستقيما، ونسميه: متمسكا بالشريعة, ونسميه: مطيعا لله, وعاملا بشريعته، ومتبعا لرسوله -عليه الصلاة والسلام- وهذا هو الواجب عليه، وهو ملتزم بذلك إن شاء الله.
أما حقيقة الالتزام: فمعروف أنها كون الملتزم يعمل بالسنة، كونه يستقيم على الشريعة، يعمل بها، وتعرفون أن الأعمال التي يعمل بها المتمسك والمستقيم إما أن تكون من الواجبات، وإما أن تكون من السنن، وإما أن تكون من نوافل العبادة, من نوافل الطاعات، وإما أن تكون من فروض الكفايات، كل هذه يتمسك بها الشاب الملتزم، فنذكرها على وجه المثال؛ حتى نعرف بذلك حقيقته، ثم نشير بعد ذلك إلى الحقيقة التي ينبغي أن يكون عليها.